سورة الحشر - تفسير تفسير ابن الجوزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الحشر)


        


قوله تعالى: {ولتنظر نفس ما قدمت لغد} أي: لينظر أحدكم أيّ شيء قَدَّم؟ أعملاً صالحاً يُنجيه؟ أم سيئاً يُوبِقُه؟ {ولا تكونوا كالذين نسوا الله} أي: تركوا أمره {فأنساهم أنفسهم} أي: أنساهم حظوظ أنفسهم، فلم يعملوا بالطاعة، ولم يقدِّموا خيراً. قال ابن عباس: يريد قريظة، والنضير، وبني قينقاع.


قوله تعالى: {لو أنزلنا هذا القرآن على جبل} أخبر الله بهذا عن تعظيم شأن القرآن، وأنه لو جعل في جبل- على قساوته وصلابته- تمييزاً، كما جعل في بني آدم، ثم أنزل عليه القرآن لتشقَّق من خشية الله، وخوفاً أن لا يؤدِّيَ حق الله في تعظيم القرآن. والخاشع: المتطأطئ الخاضع، والمتصدِّع: المتشقِّق. وهذا توبيخ لمن لا يحترم القرآن، ولا يؤثِّر في قلبه مع الفهم والعقل، وَيَدُلُّك على هذا المثل قوله تعالى: {وتلك الأمثال نضربها للناس} ثم أخبر بعظمته وربوبيته، فقال تعالى: {هو الله الذي لا إله إلا هو} قال الزجاج: قوله تعالى: {هو الله} ردٌّ على قوله تعالى: في أول السورة: {سبح لله ما في السموات وما في الأرض وهو العزيز الحكيم}.
فأما هذه الأسماء، فقد سبق ذكر الله، والرحمن، والرحيم في الفاتحة وذكرنا معنى {عالم الغيب والشهادة} في [الأنعام: 73]. والملك في سورة [المؤمنين: 116].
فأما {القدوس} فقرأ أبو الأشهب، وأبو نهيك، ومعاذ القارئ بفتح القاف. قال أبو سليمان الخطابي: {القدوس}: الطاهر من العيوب، المنزَّه عن الأنداد والأولاد. والقدس: الطهارة. ومنه سمي: بيت المقدس، ومعناه: المكان الذي يُتَطَهَّرُ فيه من الذنوب، وقيل للجنة: حظيرة القدس، لطهارتها من آفات الدنيا. والقدس: السطل الذي يتطهر فيه، ولم يأت من الأسماء على فُعُّول بضم الفاء الا قُدُّوس، وسُبُّوح وقد يقال أيضاً: قَدُّوس، وسَبُّوح، بالفتح فيهما، وهو القياس في الأسماء، كقولهم سَفَّود، وكَلُّوب.
فأما {السلام} فقال ابن قتيبة: سمى نفسه سلاماً، لسلامته مما يلحق الخلق من العيب والنقص والفناء. وقال الخطابي: معناه: ذو السلام. والسلام في صفة الله سبحانه: هو الذي سَلِمَ من كل عيب، وبرئ من كل آفة ونقص يلحق المخلوقين. قال: وقد قيل: هو الذي سَلِمَ الخلقُ من ظلمه.
فأما {المؤمن}، ففيه ستة أقوال.
أحدها: أنه الذي أَمِنَ الناسُ ظلمَهُ، وأَمِنَ مَنْ آمَنَ به عذابَهُ، قاله ابن عباس، ومقاتل.
والثاني: أنه المجير، قاله القرظي.
والثالث: الذي يصدِّق المؤمنين إذا وحَّدوه، قاله ابن زيد.
والرابع: أنه الذي وَحَّد نفسه، لقوله تعالى: {شهد الله أنه لا إِله إلا هو} [آل عمران: 18] ذكره الزجاج.
والخامس: أنه الذي يُصدِّق عباده وعده، قاله ابن قتيبة.
والسادس: أنه يصدِّق ظنون عباده المؤمنين، ولا يُخيِّب آمالَهم، كقول النبي عليه الصلاة والسلام فيما يحكيه عن ربه عز وجل: {أنا عند ظن عبدي بي} حكاه الخطابي.
فأما {المهيمن} ففيه أربعة أقوال.
أحدها: أنه الشهيد، قاله ابن عباس، ومجاهد، وقتادة، والكسائي. قال الخطابي: ومنه قوله تعالى {ومهيمناً عليه} [المائدة: 48]، فالله الشاهد على خلقه بما يكون منهم من قول أو فعل.
والثاني: أنه الأمين، قاله الضحاك، قال الخطابي: وأصله: مؤيمن، فقلبت الهمزة هاءً، لأن الهاء أخَفُّ عليهم من الهمزة.
ولم يأت مُفَيْعِلٌ في غير التصغير، إلا في ثلاثة أحرف مسيطر ومُبيطر ومهيمن وقد ذكرنا في سورة [الطور: 37] عن أبي عبيدة، أنها خمسة أحرف:
والثالث: المصدِّق فيما أخبر، قاله ابن زيد.
والرابع: أنه الرقيب على الشيء، والحافظ له، قاله الخليل. قال الخطابي: وقال بعض أهل اللغة. الهيمنة: القيام على الشيء، والرعاية له، وأنشد:
أَلاَ إنَّ خَيْرَ الْنَّاس بَعْدَ نَبِيِّهِ *** مُهَيْمِنهُ الْتاليه في الْعُرْفِ والْنُّكْرِ
يريد القائم على الناس بعده بالرِّعاية لهم. وقد زدنا هذا شرحاً في [المائدة: 48] وبيَّنَّا معنى: {العزيز} في [البقرة: 129].
فأما {الجبار}، ففيه أربعة أقوال:
أحدها: أنه العظيم، قاله ابن عباس.
والثاني: أنه الذي يقهر الناس ويجبرهم على ما يريد، قاله القرظي والسدي. وقال قتادة: جبر خلقه على ما شاء. وحكى الخطابي: أنه الذي جبر الخلق على ما أراد من أمره ونهيه. يقال: جبره السلطان، وأجبره.
والثالث: أنه الذي جبر مفاقر الخلق، وكفاهم أسباب المعاش والرزق.
والرابع: أنه العالي فوق خلقه، من قولهم: تجبر النبات: إِذا طال وعلا، ذكر القولين الخطابي.
فأما {المتكبر} ففيه خمسة أقوال:
أحدها: أنه الذي تكبَّر عن كل سوءٍ، قاله قتادة.
والثاني: أنه الذي تكبَّر عن ظلم عباده، قاله الزجاج.
والثالث: أنه ذو الكبرياء، وهو الملك، قاله ابن الأنباري.
والرابع: أنه المتعالي عن صفات الخلق.
والخامس: أنه الذي يتكبَّر على عتاة خلقه، إذا نازعوه العظمة، فقصمهم، ذكرهما الخطابي. قال: والتاء في {المتكبر} {تاء} التفرُّد والتخصُّص، لأن التعاطي، والتكلّف، والكبر لا يليق بأحد من المخلوقين، وإنما سمة العبد الخضوع والتذلل. وقيل: إن المتكبر من الكبرياء الذي هو عظمة الله، لا من الكبر الذي هو مذموم في الخلق.
وأما {الخالق}، فقال الخطابي: هو المتبدئ للخلق المخترع لهم على غير مثال سبق، فأما في نعوت الآدميين، فمعنى الخلق: كقول زهير:
وَلأَنْتَ تَفْري ما خَلَقْتَ وبَعْ *** ضُ الْقَوْم يَخْلُقُ ثم لاَ يَفْرِي
يقول: إذا قدرت شيئاً قطعته، وغيرك يقدر ما لا يقطعه، أي: يتمنَّى ما لا يبلغه، و{البارئ} الخالق. يقال: بَرَأَ الله الخلق، يَبْرَؤُهُمْ. و{المصوِّر}: الذي أنشأ خلقه على صُوَرٍ مختلفةٍ ليتعارفوا بها. ومعنى التصوير: التخطيط، والتشكيل. وقرأ الحسن، وأبو الجوزاء، وأبو عمران، وابن السميفع، {البارئ المصور} بفتح الواو والراء جميعاً، يعني: آدم عليه السلام. وما بعد هذا قد تقدم بيانه [الأعراف: 180، والإسراء: 110] إلى آخر السورة.

1 | 2